الاقتصاد السّوريّ يسابق الاقتصاد اللّبنانيّ؟ -- Jul 31 , 2025 15
الأنظار مشدودة إلى موضوع أساسي، وربّما وحيد، وهو مصير سلاح “الحزب” وقدرة الدولة على تنفيذ وعدها باحتكار حمل السلاح. من الطبيعي أن تستأثر هذه المسألة باهتمام كبير، إذ يتوقّف عليها مصير الوضع السياسي والأمنيّ وإمكان تجدّد الحرب مع إسرائيل واستئناف حلقة النار والدمار في مختلف المناطق اللبنانية. لكنّ لهذه الأزمة المستعصية جوانب وارتدادات أخرى لا ينبغي إغفالها، لا سيما تأثيرها على حياة لبنان الاقتصادية ومركزه الاقتصادي في المنطقة.
فيما كان لبنان ينتظر تدفّق المساعدات والاستثمارات العربية لتحقيق النموّ والتنمية وإعادة الإعمار، شاحت الدول العربية المقتدِرة بنظرها عن لبنان بسبب عجز دولته عن فرض سيادتها على أراضيها، كما وعدت، وتعنّت “الحزب” في تنفيذ القرارات الدولية واتّفاق وقف النار الأخير مع العدوّ الإسرائيلي. ولا ملامة على مصادر التمويل العربية والدولية لأنّها صرّحت مراراً بأن لا تمويل ولا إعمار دون استتباب الأمن في لبنان وإزالة الظاهرة الشاذّة المتمثّلة بوجود دولتين وجيشين على أرض واحدة.
ثلاثة سجون
لقد شاهدنا التظاهرة الاستثمارية السعودية غير المألوفة في دمشق، بعدما كان لبنان هو الجاذب الأوّل للمال العربي في المنطقة، ووُقّعت فيها عقود استثمارية لتكون “نقطة انطلاق تدفّق الاستثمارات إلى سورية والنهوض باقتصادها”، على حدّ تعبير الأوساط السعودية. وقد حضر اللقاء أكثر من 20 جهة حكومية و100 شركة رائدة من القطاع الخاصّ تنوي دخول السوق السوريّة في مجالات حيوية متنوّعة. وقد صرّح أحد المسؤولين السوريين المعنيّين بالملفّ الاقتصادي بأنّ “المملكة تصنع التاريخ الاقتصادي لسورية وسيكون لها دور رائد في جذب الاستثمارات العالمية إلى دمشق”.
لبنان أسير المحبسين، بل هو في الثلاثة من سجونه: السلاح غير الشرعي والفساد وسوء إدارة الدولة. أمّا سورية فإذا قُيّض لها أن تتجاوز مرحلة عدم الاستقرار الحالية، وتتغلّب على المخاطر والتحدّيات التي تتربّص بها، فمن الممكن أن تشكّل المعطيات الراهنة نقطة انطلاق لنهضة اقتصادية كبيرة. وفي السياق نفسه يمكن للاقتصاد السوري عندئذٍ أن يسجّل نموّاً يفوق نموّ الاقتصاد اللبناني لأوّل مرّة منذ استقلال البلدين.
منذ بداية الانتداب الفرنسي نشأ في البلدين نظام اقتصادي ونقدي موحّد. وما لبثت هذه الوحدة أن تحلّلت تدريجاً حتّى حلّ محلّها الانفصال الكامل النقدي والتجاري. ففي 30 آب 1948 صادق مجلس النوّاب اللبناني على اتّفاق مع فرنسا للاستقلال النقديّ معها، وهو الاتّفاق الذي عارضته سورية بقوّة فكان ذلك دافعاً للبنان إلى إعلان استقلال الليرة اللبنانية عن الليرة السورية، فردّت حكومة الرئيس خالد العظم لاحقاً بإعلان الانفصال الجمركيّ عن لبنان.
على الرغم من تضرّر لبنان من الانفصال الجمركي، جذبت الليبرالية اللبنانية الرساميل والاستثمارات إلى البلاد وارتفع سعر صرف الليرة اللبنانية قياساً بسعر الليرة السوريّة منذ الأشهر الأولى لوقوع القطيعة بين العملتين. وتسلّح الاقتصاد اللبناني بالليبرالية لكي يحقّق نموّاً ثابتاً ومستداماً على مرّ العقود على الرغم من الاضطرابات والحروب.
من جهتها، ابتُليت سورية بالنظام الاقتصادي المركزي منذ وصول حزب البعث إلى السلطة سنة 1963.
عقلنة الشّهيّة التّركيّة
بعد خمسة عقود من حكم البعث تميّز الاقتصاد السوري بخضوعه لسيطرة الدولة وأجهزتها الفاسدة وباستناده إلى قاعدة صناعية ضعيفة وهيمنة للقطاع الزراعي الذي استقطب 20 في المئة من القوى العاملة وشكّل 25 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي. وتسبّبت الحرب الأهليّة التي انفجرت سنة 2011 بانهيار الليرة السوريّة وتدمير واسع للقرى والمدن والبنية التحتية وخروج المناطق المنتجة للنفط عن سيطرة الدولة، لاسيما الحسكة ودير الزور، فاضمحلّت موارد الدولة. كبّلت العقوبات الغربية الصارمة حركة الاقتصاد السوري، فيما يعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خطّ الفقر.
هل تنتفض سورية على واقعها الاقتصادي المستمرّ منذ ستة عقود فيسبق نموّ اقتصادها نموّ الاقتصاد اللبناني؟ أم يعود لبنان إلى سابق عهده في التقدّم الاقتصادي والازدهار؟
مفتاح المستقبل سياسي على جانبَي الحدود. فأمام سورية تحدّيات عليها أن تتجاوزها، أبرزها المصالحة الوطنية وإزالة مخاوف الأقليّات من السلطة المركزية وإحباط مشروع إسرائيل لتفتيت البلاد.
أمّا لبنان فأكبر مشاكله تشبُّث “الحزب” بسلاحه وإعادة بناء الدولة التي هشّمت كيانها ممارسات مدمّرة للطبقة السياسية على مدى خمس وثلاثين سنة.
غسان العيّاش - اساس ميديا